Jumat, 04 November 2011

تعريب المصطلحات العلمية الحديثة

قضيّة تعريب المصطلحات العلمية الحديثة وكيف عالجها
إعداد : مُهَنْدِسْ اَلزُّهْرِى الليسن الماجستر
ملخص
تمثل اللغة أهم مقومات شخصية أي أمة من الأمم، حيث تميزها عن غيرها من الأمم، كما تعبر عن واقع الأمة من حيث التطور أو التخلف ومن حيث القوة أو الضعف. فعندما تكون الأمة قوية وعزيزة فإن لغتها تعتز بعزتها وتزداد انتشاراً، وعندما تضعف الأمة فإن لغتها تزداد ضعفاً وخمولاً ويدل على ذلك واقع اللغة العربية في الوقت الراهن والحاضر مقارنة بواقعها عندما كانت اللغة العربية أصبحت أكثر من خمسة قرون لغة العلوم والتكنولوجيا العاصرة في جميع الميادين؛ خاصة فى عصر الذهبى الوسطى الإسلامى وخير مثال على ذلك كتاب القانون فى الطبّ لابن سينا, والعالم خوارزمى فى الرياضيات, والعالم الكندى فى الفلسلة, والعالم ابن بوتانى فى علم النبت وغيرها.
ومن المسلَّم به أنّ اللغة العربية مستعملة كثيرة من أهالى الدول العربية والإسلامية منـتشرون من بلاد المغرب (Marokko) - أفريقيا غربيّة - إلى مدينة مريقى (Merauke) فى جزيرة فافيا – إندونيسيا حوالى 500 مليون نسمة. لا شكّ أنّ اللغة العربية قادرة على مواكبة النهضة العلمية والتكنولوجيا المعاصرة على أهالى تلك الدول في هذا العصرى في جميع مجالاتها العلمية. واللغة العربية لغة حية غنية بالمفردات والاشتقاقات مما يمكنها من استيعاب جميع الألفاظ المعربة من لغات أخرى ويمكنها تعريب المصطلحات العلمية الحديثة كما أن ترجمة الكتب والأبحاث العلمية سيؤدي إلى التواصل مع المستجدات العلمية فضلا على أنّ الثقافة والحضارة العالمية وتطوير العلوم الحديثة والتكنولوجيا المعاصرة الحالى بداية من الكتب والنسخات والمخطوطات العربية.
الكلمة الدليلية: اللغة العربية, الألفاظ المعربة, المصطلحات العلمية الحديثة.
المقدمة
الحمد لله الذي لم يزل عليا ولم يزل فى علاه ثنيا إذا عاملته وجدته مليا وإذا عاهدته وفيا, فطرة من بحر جوده تملأ الأرض ربّا ونظرة معين تصير الكافر وليا, الجنّة لمن أطاعه ولو عبدا حبشيا والنار لمن عصاه ولو شريفا قريشيا, اللهم صلّ وسلّم على محمد صلى الله عليه وسلم لو رأيته وجها قمريا وحبيبا أزهريا, وقال تعالى فى قوله قولا بهيا (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) .
اللغة العريبة هي من أقدم اللغات فى العالم التى تقال من السامية مع اللغات العبرية, والأرامية والسريانية والكنعانية والحبشة , واللغات السامية لها علامة متساوية خاصة بثلاثة جذور الكلمات ومتساوية فى تكوين جذور الأسماء والأفعال والضمائر , ومثال على ذلك جذور كلمة " ك- ت – ب" .
والعرب لهم أقوال بقدم لغتهم, فقد أخرج ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس أن آدم كانت لغته فى الجنة العربية, وأورد أبو حام الرازى فى كتابه – الزين- أن أنبياء العرب القدماء – هود وصالح وشعيب كانوا يتكلمون العربية ونقل إلينا بعض الرواة أبيات شعر تعود إلى أيام النبي هود والنبي صالح والنبي برخيا وجاءنا كلام وأشعار من يعرب بن قحطان وغيره من رؤساء القبائل العربية البائدة عربية لا سامية .
و عرفنا أنّ اللغة كما مبنية من علماء الألسنيات هي من أهم الوسائل التى يملكها الإنسان للتفاهم والترابط مع الآخرين وأيضا لتبادل ونقل الأفكار, وللتعبير والتعريف, وهي جزء أساسى منه. كذلك الحقيقة العلمية التى تقول إن اللغة تتطور وتنمو مع الإنسان والعكس صحيح, كما أن اللغة تعرف بأنها كائن حي ديناميكى متحرك متغير مثل كل الكائنات الحية .
أولا- مفهوم العلم و التعريب
منذ بداية القرن السابع عشر ميلادي, اصطلاح "العلم" (sains) وصفاته "العلمية"(saintifik) له معان متعدّدة. العلم هو فلسفة تأمّلية الذى يشتمل على علوم الطبيعية, والرياضيات, والأدب بعكس على علوم الليبرالية أم تقنية الفنّية كالموسيقى, والشعر, والنحو, والخطابة, وفنّ الحوار والجدل .
وفى الإسلام, العلم (العلوم) هو الفنّ (الفنون) ومنبع العلوم الذى لا يقتصر بالوحي الإلهى والعلوم الدينية ققط بل يشتمل على العلوم الطبيعية والحقائق التاريخية. وقد اصطلح القرآن علوما بالآيات والكلمات لترشيد آياتها الكونية وتصوّراتها العالمية, ومناهج العلوم لايقتصر أيضا على تنوير الحواس الخمس بل على تنوير الحقائق والوقائع العلميّة الطبيعية, ولتصحيح الحقائق العلمية والإتصالات العلوم المبذولة محتاجة بلغة مناسبة وبليغة. واللغة العربية هي من إحدى اللغات التى تمكنها توضيح معان المفردات المتغيّرة غير ثابتة عن مجالات العلمية الحديثة والتكنولوجيا المعاصرة, لأن اللغة العربية هي لغة حية غنية بالمفردات والاشتقاقات مما يمكنها من استيعاب جميع الألفاظ المعربة من لغات أخرى، كما أن ترجمة الكتب والأبحاث العلمية سيؤدي إلى التواصل مع المستجدات العلمية.
يحدد د. بلاسى مفهوم التعريب الذى يعنى أن تتفوّه العرب باللفظ الأجنبى على منهاجها وطريقتها, ومن ثم يقصر التعريب على الكلمات الأجنبية التى دخلت العربية ويقسمها إلى أطوار ثلاثة, هي :
1- المُعرّب : وهو ما استعمله العرب الفصحاء من الألفاظ الموضوعة لمعان فى غير لغتها, وقد اصطلح المحدثون من الباحثين على أن العرب الفصحاء هم عرب البدو من جزيرة العرب إلى أواسط القرن الرابع الهجرى, وعرب الأمصار إلى نهاية القرن الثانى الهجرى, ويسمّون هذه العصور بعصور الاحتجاج.
2- المولّد: وهو ما استعمله المولدون (وهم الذين ولدوا بعد عصور الاحتجاج) من ألفاظ أعجمية لم يعربها فصحاء العرب.
3- المحدث أو العامى: وهو ما عربه المحدثون فى العصر الحديث وشاع فى لغة الحياة العامة.
ويضيف الدكتور البلاسى: ((إن الطريقة المثلى فى نقل مدلولات المكاشفات الأجنبية والاختراعات العلمية والاصطلاحات فى شتى المجالات, هي: ألا نلجأ إلى التعريب وهو أشدها خطرا على لغتنا الخالدة إلا بعد أن نكون قد بذلنا الجهد فى كل وسيلة قبلها, فالترجمة أولا, فإذا لم يوجد للفظ الأجنبى مقابل عربى فاشتقاق ثانيا, فإذا عجزنا نعرب اللفظ الأجنبى تعريبا مطابقا لقواعد اللغة وصقله وفق أوزان لغتنا ومنطق لساننا, حتى يشبه اللفظ العربى الفصيح, وبذلك نترك اللغة العربية للخلف من بعدنا كما تركها لنا آباؤنا الأولون)), فلذلك أصبح كلمة "البنكرياس" (pankreas) "معثكلة" و "البروستاتا" prostata)) "موثة". بينما يذهب الناس إلى استخدام الأيسر والأقرب .
يقول د. المناوى: (( إن التعريب عكس التغريب, والفارق الظاهر للعيان بينهما (نقطة). إلا أنه فى جوهره إما أن يكون اختراقا أو احتراقا. إننا إن استطعنا أن نصل إلى درجة التعريب الكامل, فسوف نخترق الثقاقات الأجنبية السريعة التطور يوما بعد يوم. وأما إذا لم نستطع أن نبلغ هذه الدرجة فإننا – لامناص-سوف نحترق الثقافات الأجنبية بتفوّق الأحانب علينا علميا وهو ما يؤدى بالضرورة إلى تفوّقهم الاقتصادى والاجانب علينا علميا, وهو ما يؤدى بالضرووة إلى تفوّقهم الاقتصادى والعسكرى والتكنولوجيا بدرجة تجعلنا فلا عداد الدول لن نستطيع اللحاق بهم بعد ذلك)). فكأنه يرى ان نـهوض العرب علميا هو مسألة لغوية! وهو يرى أن تمزّق العرب الفكرى, إلى جانب الاضطراب الروحى فى بعض أقطارهم, ومكانة الغرب فى عقول المثقفين العرب, أضاع الثقة باللغة العربية .
ثانيا- أهمية التعريب اللغوى والعلمى والقومى
إن للتعريب أهميات لغوية كثيرة فهو يساهم في إثراء اللغة العربية لدى الأستاذ حيث يتعمق بلغته أكثر مما يقتضي الابتكار والإبداع.
إن تدريس المواد العلمية باللغة العربية يحفز بصورة تلقائية المدرس والمترجم إلى ترجمة هذه المواد باللغة العربية مما يدفعه إلى الأمام ولدعم تجربته وممارسة الترجمة.
وهناك أهمية لغوية أخرى للتعريب وهي الخوض في ألفاظ لغوية ترد إلى لغات أجنبية وردها إلى جذورها العربية، وهذا يفتح ويسهم في إثراء الدراسات اللغوية المقارنة فقد تعرف الدارسون والباحثون العرب على الكثير من الألفاظ المشكوك فيها وفي معرفة ألفاظ ومصطلحات غريبة هي في الأصل عربية مثل مصطلحات المعادن وألفاظ أثبتها علماء العرب بعد أن شكك علماء الغرب بأصلها وردوها إلى أصولها العربية؛ فمكنت الدارسين من الوقوف في وجه الدخيل الذي لا يتناسب والذوق اللفظي العربي .
فإن أهمية التعريب العلمية هي ربط التراث العلمي القديم بمستجدات العلوم الحديثة للنهوض بالأمة؛ فنعيد صقل تراثنا العلمي من جديد بلغتنا القومية بقالب علمي حديث يوصلنا إلى التقدم العمي، ويخرجنا من ردهات الثبوت ويجد لنا مكاناً بارزاً وهاماً إلى جانب الحضارات المتقدمة الأخرى، "لم تقم نهضة علمية حقيقية في عالمنا العربي والإسلامي حتى الآن، ولم نتقدم صناعياً وتكنولوجياً لأننا نجتر أساليب الغرب ومعرفته اجتراراً ونقلدها تقليداً دون أن يكون ذلك جزءاً من تكويننا الفكري والاجتماعي" .
للتعريب أهمية علمية على المستوى القومي إذ يرفد الأمة بعلوم العصر ويساهم في تنمية المجتمع عامة فيكون العلم في تناول الجميع مما يساعد على ازدياد الوعي وتنامي الجماهير عامة.
ولعل التعريب يساهم في فتح آفاق علمية واسعة ويساهم في إيجاد التكنولوجيا وإبداع المشتغلين بالعلوم مما يؤهلهم إلى الابتكار العلمي حين يتعمقون في فهم التعريب بلغتهم، لأن اللغة القومية تكون هي لغة الأفكار والأحاسيس للإنسان، ومن خلال التجارب التي قيست في الجامعات، وجد أن أهمية التعريب في المستوى العلمي، تساهم في انخفاض نسبة الرسوب، إضافة إلى ازدياد نسبة الوعي والفهم، ففي أواسط الستينات في الجامعة الأمريكية في بيروت، أجريت تجربة على مجموعتين من الطلاب: الأولى تلقت المادة العلمية بالعربية والأخرى بالإنجليزية بتوزيع متكافئ للطلاب؛ فوجد أن نسبة الوعي والفهم والاستيعاب بالعربية 76% في حين ان الفهم في اللغة الإنجليزية 60% .
إن أهمية التعريب قومياً تأتي في أنه يوحد العرب في لغة الحوار الموحدة والمعروفة لديهم، أضف إلى أن اللغة قادرة على إيجاد كيان عربي موحد، يتمتع بمركزية عربية قوية " اللغة مكون أساسي من مكونات هويات الأمم" .
لذلك فإن من شأن التعريب أن يصبغ الحياة بصبغة عربية، وهو مظهر من مظاهر التوحيد الفكري لشعوب مقسمة إلى كيانات سياسية مختلفة؛ لذلك فإن عامل التوحيد قومياً مهم لأبناء الأمة العربية الواحدة ولا بد من أن تركز الأمة على حضارتها ودينها من جديد "والآن وقد تخلصنا من الاستعمار المباشر في صوره العسكرية والسياسية، والذي شل قدراتنا على الحركة ، فإن واجبنا الديني والقومي أن نتابع حركة التحرر الوطني، ونقبل بها إلى غايتها المنطقية بأن نرفد ثورتنا السياسية التي خرّجنا بها الاستعمار المباشر بثورة ضارية نعيد بها النظر في كل مجالات حياتنا، فننفي عن وجودنا كل مظاهر التخلف والجمود وموروثات الاستعمار ونظمه" .
ثالثا- التعريب والترجمة العلمية
نحن نعيش عصرا تتحدد فيه أهمية الأمم بقدر ما تنجزه فى مجال العلوم وتطبيقاتها التقنية, أهمية الترجمة العلمية نتيجة من الإنفجار المعرفى, والتقدم التكنولوجى الهائل فى جميع مجالاته الحياة, وتزداد هذه الأهمية بالنسبة لعالمنا العربى.
أن الترجمة العلمية فى عالمنا العربى يعد من الأسباب الرئيسية وراء تعثر جهود تعريب التعليم الجامعى, وهناك الإطار العام لمنظومة الترجمة العلمية :
أ- المصادر الأجنبية للترجمة العلمية يلخصها فى النقاط التالية:
1- العلوم الأساسية وتشمل الرياضيات والمنطق والإحصاء والطبيعة والكيمياء والبيولوجى.
2- علوم الكون والفضاء
3- علوم البيئة
4- العلوم الإنسانية وتشمل علوم اللغة وعلم النفس وعلم الإجتماع والأنثروبولوجى.
5- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
6- تكنولوجيا الطب والدواء
7- تكنولوجيا الصناعة والتعدين
8- تكنولوجيا الزراعة
9- تكنولوجيا التعليم
ب- المترجم العلمى العربى
ج- الناشر العلمى العربى
وقد أدرجت منظمة الترجمة العربية بيروت مجموعة من الكتب العلمية الأساسية ضمن برنامجها الحالى. من وجهة نظر أخرى, يجب ألا يقتصر النشر فى مجالات الثقافة العلمية على النشر المطبوع بل يجب أن يشمل النشر الإلكترونى أيضا بعد أن انتشر استخدام تكنولوجيا الوسائط المتعددة (multi media) فى الثقافة العلمية وشبكة الإنترنت فى تقديم خدمات الثقافة العلمية للمستويات المختلفة.
د- المتلقى العربى والذى يحتل موقع القلب داخل المنظومة.
تصنيف المتلقى العربى لمنتجات العلمية إلى أربعة مسويات:
1- مستوى الأطفال: تستهوى الصغار كتب الخيال العلمى والاكتشافات والانجازات العلمية, وكثيرا ما تلجأ هذه المؤلفات إلى استخدام أسلوب التناظر (analogy) بهدف تقريب المفاهيم لذهن الطفل, كإستخدام صناديق البريد لشرح كيف تعمل ذاكرة الكمبوتر, ولا يتطلب هذا المستوى مترجما متخصصا.
2- مستوى العامة ومتوسطي التعليم: وهذا يتطلب من المترجم إلماما كافيا بالموضوع.
3- مستوى المتعلمين: والترجمة العلمية, هنا تستهدف قارئا متخصصا ذا مستوى تعليمي عال.
4- مستوى الباحثين المتخصصين: ويهدف إلى ترجمة المقالات العلمية فى مجالات المعرفة المختلفة وتوجه إلى الباحثين المتخصصين.
وترتكز هذه المنظومة على مجموعة من البنى الأساسية (التحتية) وتشمل:
- المعاجم والقواميس والمكانز
- بنوك المصطلحات
- فواعد النصوص المترجمة إلى العربية
- مؤسسات تأهيل المترجمين من كليات ومعاهد ومراكز تدريب متخصصة.
تتفاعل منظومة الترجمة العلمية خلال شبكة من العلاقات مع منظومة الخارجية
10- منظومة التربية
11- منظومة الإعلام
12- تكنولوجيا المعلومات
13- دور النشر الأجنبية
تعد علاقة منظومة الترجمة بمنظومة التربية أهم العلاقات التى تربطها بخارجها, وتتمحور هذه العلاقة حول مسألة تعريب التعليم الجامعى. ومن المعروف أن كثيرا من الأكاديميين العرب يناهضون حركة التعريب مما أدى إلى إجهاض معظم الجهود الساعية لتحقيق هذه الغاية.
أما علاقة منظومة الترجمة العلمية بمنظومة الإعلام, فتتركز حول دور الإعلام فى إشاعة الثقافة العلمية لدى فئات جماهيره المختلفة, والإعلام العربى دور أساسى فى إثراء المصطلحات العلمية وترسيخها, فأجهزة الإعلام هي أول من يستقبل الجديد فى مجالات العلم وتطبيقاته, وهذا يفرض الإعلام أن يكون سبّاقا إلى تناول المفاهيم العلمية الجديدة وعليه مسئولية استعراب واستحداث مصطلحاتها وإشاعتها بصورة سليمة.
اما علاقة منظومة الترجمة العلمية بتكنولوجيا المعلومات فأهم جوانبها, هي تلك المتعلقة بالترجمة الآلية, والتى يتوقع الكثيرون أن تلعب دورا أساسيا فى الترجمة العلمية, وقد حققت ذلك بالفعل فى الترجمة ما بين الإنجليزية ةالفرنسية. تشمل علاقة الترجمة بتكنولوجيا المعلومات أمورا أخرى مثل: نظم الفهرسة الآلية, والتلخيص التلقائى, وبناء القواميس الإلكترونية.
وأما علاقة منظومة الترجمة بدور النشر الأجنبية, فتتركز أساسا على الجوانب الخاصة بحقوق النشر والملكية الفكرية لمؤلفى النصوص الأصلية.
وفى عصر الذهبى الوسطى الإسلامى خاصة فى عصر الخلافة هارون الرشيد ببغداد, هناك كثير من المترجمين الإسلامى من الدول العربية والفارسية والهند, ومنهم أبو زكريا يوحانا ابن موسى هو طبيب من جندى شابور ومدير دار الحكمة ببغداد, و ابو سهل الخرشزمة مترجم مخطوطات علوم الرياضيات إلى اللغة العربية, وأبو حافظ عمر فاروحان الطبرى مدير المدرسة الترجمة, وإبراهيم ابن حبيب الفزرى مترجم مخطوطات علوم الرياضيات الهندى بالقرن الخامس ميلادى إلى اللغة العربية وكما قال البيرونى انتهى الترجمة فى السنة 770-771 م, واستيفان القديم مترجم مخطوطات علوم الكيمياء بأمر خليفة خالد بن يزيد بن معاوية, وأبو يحيى البتريك مترجم مخطوطات علوم الطب والفلسفة أغريق خاصة مخطوطات أرستوتيلس (Aristoteles) وهيبقراتس (Hippocrates) وكتابه المترجم هو "سرّ الأسرار" بتأليف Aristoteles بموضوع "تنظيم الحكومة", وحنين بن إسحاق (المـتوفى 264 هـ) أكبر مترجم من المترجمين المخطوطات القديمة باللغة العربية, ومن كتابه المترجم هو كتاب Timaeus بتأليف plato, ثابت بن قرّاء الهرانى (829-900 م) من هران مترجم مخطوطات اليونانية فى العلوم الطب والرياضيات لأرجيميدس (archimedes), وأبلونيوس (Apollonius) وغيرها.

رابعا – أزمة اللغة العربية
امام التفجر المعرفى الهائل فى المواقع المتقدمة من عالمنا, والتى أفرزتها ثورتا المعلومات والاتصالات, بات واضحا أن هناك أزمة تعريب, ينادى بعض المخلصين بضرورة الإسراع فى حلها, لكن هناك ضرورة لتأكيد أن هذه الأزمة, ما هي إلا فرع من الأزمة الأم للغة العربية ذاتها.
إن موت اللغة العريبة أمر مستبعد فى المستقبل المنظور, لأسباب يشير إليها الدكتور عبد السلام المسدّى بمنطق تاريخى, إذ يقول: لأول مرة فى تاريخ البشرية_ على ما نعلمه من التاريخ الموثوق به- يكتب للسان طبيعى أن يعمّر 17 قرنا محتفظا بمنظومته الصوتية والصرفية والنحوية, فيطوعها جميعا ليواكب التطور الحتمى فى الدلالات دون أن يتزعزع النظام الثلاثى من داخله, بينما يشهد العلم فى اللسانيات التاريخية و المقارنة أن القرون الأربعة كانت فيما مضى هي الحد الأقصى الذى يبدأ بعده التغيّر التدريجى لمكونات المنظومة اللغوية)) .
ويعضد رؤية الدكتور المسدى فى استبعاد موت اللغة العربية, حتى على مستوى الدولى, شهادة من الوزن الثقيل لمفكر غير عربى, فقد أعلن الكاتب الإسبانى ((كاميلو جوزى سيلا)) – الحائز على جائزة نوبل فى الآدب عام 1989- عن تنبؤاته المستقبلية وتقديراته الاستشرافية حول مصير اللغات الإنسانية بقوله (( إنه نتيجة لثورة الاتصالات سوف تنسحب أغلب اللغات من التعامل الدولى وتتقلص محليا ولن يبقى من اللغات البشرية إلا أربع قادرة على الوجود العالمى والتداول الإنسانى, وهي الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية)) .
واضح أن رأي (سيلا) مستندا إلى ركائز لعل أهمها ضخامة الكتلة البشرية التى تستخدم هذه اللغة أو تلك بدرجة ما من التجانس. وأيّا كان الأمر فإننا سلم بعدم موت اللغة العربية , لكننا لا نستطيع التسليم بنفي مواتها المحتمل إن استمر منحنى الهبوط على ما هو عليه من تسارع وتفاقم – والذى يخـتلف عليه مراقب موضوعى, هنا أو هناك, إلا فى تقدير حجم هذا الاعتلال وتقييم خطورة أعراضه.
لا مراء فى أن (( أزمة التعريب)) هي حقيقة واقعة وخانقة, ولكنها – بداهة – نتيجة ل ((أزمة أم)) هي أزمة اللغة العربية ذاتها, وهما معا – أزمة اللغة العربية وأزمة التعريب- نتاج أزمة عربية أشمل تتعلق بالتراجعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المستوى الكيان العربى الجامع- دون أي ادعاءات قومية- فلأسباب عديدة وجغرافيا, وثقافية, وتاريخية, واقتصادية وبيئية, وثمة تأثير وتأثر شديدا الوضوح بين الأقطار العربية,وكأنها الأوانى المستطرقة يلحق بعضها بعضا فى الهبوط أو الصعود, مهما كانت درجات الاختلاف.
خامسا- المشاكل التعريب:
واجهت قضية التعريب منذ إن بدأت في العصر الحديث مشاكل عدة، ولعل احتدام تلك المشاكل بدأ مع بداية الاستعمار الأوروبي للوطن العربي،إذ ألغي التعريب في مصر ولبنان واستمر في سوريا.
ورغم استقلال الدول العربية من الاستعمار مع أواسط القرن الحالي، ورغم إنشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومؤسساتها ، ورغم نداءات المؤتمرات والندوات إلا أن هذا لم يحد كثيراً من مشاكل التعريب، بل بقيت مشاكله قائمة في كل الدول العربية تتفاوت من قطر إلى قطر. لكنها متقاربة في المشاكل الكبرى. وهذه المشاكل هي :
1- مشكلة الكتاب الجامعي:
هذه المشكلة تعيق التعريب، فالمراجع العلمية باللغة العربية نادرة وقليلة ، ولعل سبب ذلك يعود إلى مشكلتي التأليف والترجمة. فعلى صعيد التأليف: نجد أن الكتب العلمية المؤلفة باللغة العربية قليلة جداً إذا ما قيست بالكتب المترجمة والكتب المؤلفة باللغة الأجنبية،ولعل سبب ذلك يعود إلى عدم وجود مؤلفين أكفاء باللغة العربية، وإن وجدوا فهم قلة. وعملية التوزيع، إذ الكتاب العلمي المؤلف باللغة العربية يواجه مشكلة في التوزيع ومشكلة الطباعة والإخراج الفني غير الدقيق.
أما على صعيد الترجمة، فإن الكتب المترجمة أيضاً قليلة على الرغم من وجود مكتب للتعريب والترجمة والنشر تابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بدمشق إلا أنه حديث العهد تأسس (1991م)، وعلى الرغم من ذلك تبقى المشكلة قائمة والسبب يعود في ذلك إلى عدم وجود الترجمة الفورية لما يستجد من أبحاث في مجالات المعارف والعلوم عدم ترجمة الكتاب بطبعاته الجديدة إذ الكتاب يصبح قديماً في معلوماته إذا لم يلاحق ويترجم كل جديد في الكتاب الأصل. و الكتب المترجمة لا تفي بالغرض لقلتها، ففي السودان مثلاً ما بين عامي 1970-1980 لم يترجم أي كتاب في حين أن كل ما ترجم في الأردن إلى حدود 1985 لم يتجاوز 50 كتاباً وفي تونس 92 كتاباً . وكذلك قلة المترجمين الأكفاء ذوي القدرة والخبرة. لذلك تبقى المكتبة العربية بشكل عام تفتقر إلى الكتب العلمية باللغة العربية مما يعيق الطالب الجامعي ويدفعه إلى الرجوع للمراجع الأجنبية لتوافرها. و لذلك لا بد من مواجهة هذا كله من خلال التأليف العلمي باللغة العربية بإعطاء الحوافز واعتماد ذلك في الترقيات العلمية. والترجمة الفورية لكل ما يستجد من معارف وعلوم الطباعة الجيدة، والتوزيع الجيد. وتدريب متخصصين أكفاء في التحرير والإخراج الفني مع التزام الدقة في المعلومات العلمية.
2- مشكلة المصطلح:
إن مشكلة توحيد المصطلح في الوطن العربي ما تزال قائمة بحد ذاتها، رغم جهود مكتب تنسيق التعريب. ورغم قرار الجامعة العربية ورغم جهود اتحاد المجامع العربية في توحيده؛ فاختلاف مصدر المصطلح يؤدي إلى اختلاف في ترجمته إضافة إلى قلة المعاجم الاصطلاحية المتخصصة.
كل هذا يشكل مشكلة في طريق البحث العلمي، ولكن مشكلة التوحيد ليست مشكلة صعبة في حالة استعمال المصطلح المترجم في حقل التأليف العلمي لأن حياة المصطلح بالكتب والاستعمال، لا في طيات المعاجم على الرفوف، وفي حال إيجاد لجنة عربية موحدة متخصصة تتولى أمر تعريب المصطلح، وفي حال التعاون بين المؤسسات العلمية العربية فإن هذا كله سيساهم في الحد من مشكلة المصطلح وتوحيده وترجمته.
3- مشكلة المدرس الجامعي:
تعتمد هيئة التدريس في مصادرها العلمية على لغات عدة وليست الإنجليزية (لغة التدريس في الجامعات) فقط؛ لذلك فالإنجليزية هي لغة أجنبية لبعض المدرسين الذين تلقوا علومهم بلغة أخرى غير الإنجليزية، ومع قلة إتقان بعضهم اللغة العربية الفصيحة، فإنهم يلجأون إلى التدريس بالعامية العربية مع التطعيم بالإنجليزية، مما يؤد ي إلى التشتت في المعلومات العلمية بتشتت مصادرها فيؤدي بدوره إلى تشتت الطالب فكرياً، ويحدث فجوة علمية بين العلم واللغة.
ومن مشاكل هيئة التدريس قلة إيمانهم بقضية التعريب والسبب في ذلك يعود إلى عدم اعتماد الأبحاث المترجمة والمؤلفة باللغة العربية في السلم الوظيفي، كما أن نشر الأبحاث في دوريات عربية مشهورة معدوم لديهم لقلة توفر هذه الدوريات التي تتمتع بالمكانة العالية؛ لذلك فإن عميلة تحسين وضعهم المادي والعلمي كإدخال الترقية على الأبحاث المترجمة والمعدة باللغة العربية يساعد المدرس على الاهتمام باللغة العربية وبالتعريب، كما أنه لا بد من مواجهة العامية في التدريس المطعمة بالإنجليزية ولا بد من الإلمام بالفصحى لكي يتمكن المدرس من التدريس بها.
4-مشكلة المعاجم:
لا شك أن المخطوطات العربية التي رهن الرفوف هي بالملايين ولعل العلمي منها يتجاوز الآلاف ، وهذا كله أدى إلى ضعف المعاجم العربية المؤلفة في الميادين المختلفة وقلتها، إذا ما قيست بالمعاجم المؤلفة باللغات الأجنبية، ولعل أهم ما تفتقر إليه المكتبة العربية هو المعجم التاريخي الذي أصبح لا بد منه ، وهذا لا يتم إلا إذا تحقق عدد كبير من المخطوطات العلمية والأدبية.
إضافة إلى أن المعاجم المتخصصة بالميادين العلمية المنشورة باللغة العربية أو المترجمة لم تتضمن كل المصطلحات، في اللغات الأجنبية، ولن تكفي الثلاث السنوات القادمة في ظل الظروف الراهنة من ترجمة كل المصطلحات العلمية وإصدارها على شكل معاجم اصطلاحية كما يخطط لذلك مكتب تنسيق التعريب بالرباط والسبب في ذلك يعود إلى تطور العلوم إضافة إلى تشتت الجهد العربي ومؤسساته وقلة إيمان معظمها كالجامعات -مثلاً- بالتعريب.
لهذا كله لا بد من البحث عن هذه المصطلحات في التراث العلمي العربي واستخدامها في حقل التأليف العلمي، وهذا يتم من خلال تحقيق المخطوطات العليمة في التراث العربي مما يساهم في إيجاد معجم تاريخي قادر على استيعاب كثير من المصطلحات والكلمات وردها إلى أصولها، على غرار معجم أُكسفورد التاريخي ومعجم وجريم الألماني كما أن الترجمة الفورية للمصطلحات تساعد على وضع اشتقاقات للمصطلح بصبغة عربية وهو المطلوب من المصطلح في الوقت الراهن.
5- مشكلة اللغة العربية:
عاشت اللغة العربية عصوراً زاهرة، وكانت لها مكانة مرموقة بين لغات العالم، فقد كانت لغة العلوم في كافة الميادين المعرفية، وهذا يعود إلى العناية والاهتمام الكبير بها من قبل أُولي الأمر في العصور الإسلامية المزدهرة كالأمويين والعباسيين.
على أن اللغة اليوم تشهد قلة العناية والاهتمام منذ المراحل الأساسية من التعليم إلى المراحل التعليمية العليا، كما أن إدخال لغة أجنبية تدرس بنفس الزمن منذ المراحل الأساسية إلى جانب اللغة العربية يؤثر على مدركات الطالب ، مما يدفعه إلى التشتت في التفكير ما بين لغتين فيؤثر على إبداعه ونمط تفكيره، فينتج عن ذلك ضعف في لغته الأولى (الأم) فيبدأ بالتفكير بنمطين مختلفين ليعبر بلغتين مختلفتين.
وفي المراحل التعليمية العليا،أصبح التدريس باللغة الأجنبية في معظم الجامعات العربية إذا ما استثنينا سوريا والسودان وبعض المواد للسنوات الأولى في بعض الجامعات المصرية، لأن لغة الحوار أصبحت بالمحافل العلمية العربية باللغة الأجنبية، فمؤتمر طب الأسنان العربي التاسع عشر الذي عقد بالخرطوم 12/1994 كان فيه الحوار بالإنجليزية، بل الذي أثار الاستغراب أن إحدى الندوات كانت عن "المسواك وفوائده" ولكنه قدم باللغة الإنجليزية وتلاه النقاش بالإنجليزية.
إن كل هذا يؤدي إلى قلة الاهتمام باللغة العربية ويدعم رأي القائلين بأن اللغة العربية لغة دين وليست لغة علم وحضارة، لأجل ذلك فإن الاهتمام باللغة العربية من الأساس بعدم إدخال لغة أجنبية في المراحل الأولى تدفع بالطالب إلى التفكير بلغة واحدة يتكلمها ويفكر بها دون أن يتشتت فكره مع لغة أخرى ملازمة له في التفكير والنطق، كما أن الطالب الجامعي بحاجة إلى التشجيع على البحث في اللغة العربية والترجمة كاعتماد ذلك في المقرر الجامعي. هذا كله يدفعه إلى الاهتمام باللغة العربية والتركيز على الفصيحة منها.
ومن مشاكل اللغة إدخال العامية في الحوار وفي قاعة الدرس بحجة ان إيصال المعلومة هو الهدف. ولكن كيف يفكر ويبدع بلغة بعيدة عن العلم؟ فالعامية ليست لغة مصطلحات ولا لغة علمية، فمن أسباب قلة الاهتمام بالعربية إدخال العامية بدل الفصيحة في محافل عدة حتى في قاعة الدرس منذ المراحل الأساسية إلى المراحل العليا من التعليم لذلك لا بد من احترام الفصيحة وجعلها لغة تدريس والتركيز عليها خصوصاً في المراحل الأساسية.
6-مشكلة الطالب الجامعي:
إن قلة المراجع العربية وقلة المصطلحات والمعاجم وضعف هيئة التدريس وقلة إيمانهم بالتدريس باللغة العربية الفصيحة يؤثر سلبياً على الطالب فتصبح قضية التعريب بالنسبة إليه مشكلة بحاجة إلى حل؛ فالطالب الجامعي في المجالات العلمية يتلقى تعليمه بالأجنبية فتصبح هي لغة الحوار والتفكير والبحث بالنسبة إليه، وهذا يؤثر على المجتمع بصفة عامة إذ يجد صعوبة في الموازنة بين لغة الحياة اليومية (المجتمع) ولغة العلم (الأجنبية).
لذلك فإن إدخال التعريب خطوة بعد خطوة مع جعل لغة الحوار بالعربية الفصيحة ودفعه إلى الترجمة وكتابة الأبحاث بالعربية كل هذا يؤدي إلى حل هذه المشكلة ومن شأنه أن يرفع مكانة اللغة العربية التي أصبحت اليوم إحدى لغات العمل في الأمم المتحدة.

7-مشكلة المؤسسات العلمية العربية الحكومية وغير الحكومية:
إن المؤسسات العلمية المحلية والعربية الحكومية وغير الحكومية، ضعيفة الإيمان باعتبار اللغة العربية لغة علمية وهذا معوق أساسي للتعريب، إذ انقسمت الدول العربية في هذا الشأن ما بين مؤيد ومعارض خلال مؤتمر التعريب السابع في الخرطوم وأدى ذلك إلى تشتت الجهد العربي في هذا المجال. وحتى الدول المؤيدة للتعريب والتي حضرت المؤتمرات فإن جامعاتها العلمية ما زالت تدرس باللغة الأجنبية –لغة المستعمر- على الرغم من وجود قرار عربي صادر عن جامعة الدول العربية ينص على ضرورة التعريب،وجعل اللغة العربية لغة التدريس في الجامعات .
لذلك لا بد من إيمان هذه المؤسسات العلمية بضرورة التعريب، وتوحيد الصفوف العربية في هذه القضية والتي تتجاوز إمكانيات البلد الواحد، مع وجود قانون يلزم هذه المؤسسات بضرورة تنفيذ القرار، مع التنسيق بين المؤسسات العلمية في هذا المجال. كل ذلك يدفع بعملية التعريب إلى الأمام ويحد من المشكلة.
8-المشكلة الاجتماعية:
وهي من المشاكل التي تواجه المتعلم عند تخرجه، وولوجه الحياة العملية وخصوصاً المتخرج من الكليات العلمية المهنية، فالطبيب يجد هوة ما بين اللغة التي تعلم بها ولغة الحوار العلمي مع المجتمع، وكذلك المهندس الزراعي عند الحديث عن الآفات الزراعية التي تواجه المزارعين.
لهذا فإن حل هذه المشكلة مرتبط بحل كل المشكلات السابقة الذكر، إن هذه المشكلة مرتبطة بالمخرجات العلمية، أي بعد تخرّج الجيل الجديد القادر على حمل زمام المبادرة، فإعداده لفترة وجيزة بلغة أجنبية ووضعه في مقدمة الركب لمواجهة المشاكل بلغة الأم يؤثر على عطائه ويؤدي إلى عزلته عن العلم الذي تلقاه باللغة الأجنبية في فترة وجيزة، فالطبيب لا يتعامل مع مريضه بلغة العلم الأجنبية وكذلك المهندس مع الفلاح مثلاً . فهذا يؤدي كله إلى عزلته عن المجتمع لغوياً ويتعامل معه بلغته العامية، لذلك لا بد من رابط بينه وبين العلم وبين المجتمع، وهذا لا يكون إلا بلغة مشتركة وهي اللغة الأم.
9-المشكلة المادية:
إن قلة الدعم المادي وعدم وفرته يؤثر على كل ما ذكر، فالمادة هي أكبر المشاكل التي تواجه التعريب، إذ التعريب الشامل من تأليف وترجمة وإعداد الكادر المؤهل، كل ذلك بحاجة إلى دعم مادي كبير يتجاوز إمكانيات البلد الواحد، لذلك لا بد من تكاثف الجهود بين المؤسسات العلمية الوطنية في البلد الواحد وبين المؤسسات العربية في الوطن العربي.
كذلك لا بد أن تتبنى مشروع التعريب عربياً جهة مركزية قوية على صعيد الوطن العربي لها إمكانيات ضخمة متوفرة.
ولعل الحل الأمثل لمواجهة هذه التحديات كلها هو البدء بالتدريس باللغة العربية خطوة بعد خطوة ، لأنه الطريق الأمثل للتعرف على الصعوبات وحلها في نفس الوقت.
الخاتمة:
إن قضية التعريب ليست تأليفاً وترجمة. أو بحثاً عن أصل كلمة ، إنما هي قضية تفكير، كيف نفكر؟ وبأي لغة؟ ولماذا؟ إذ الفكر غالباً لا بد أن يعبر عنه بلغة تتماشى مع تقدم الأمة الحضاري والفكري، وهذا يتم فعلاً إذا استطعنا أن نحدد لأنفسنا منهجاً فكرياً بعيداً عن التدخلات الخارجية، فالثقافة والفكر العربي والإسلامي منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، حافظ بأن يخلق منهجاً فكرياً يخلص الأمة من بقايا الاستعمار، فها نحن خرجنا من دائرة الاستعمار ، فعلينا إذا أن نجد لغة علمية قادرة أن تربط الماضي بالحاضر، وتدفع الأمة إلى الأمام والازدهار وهذا يعني أن ترتبط اللغة بالتفكير الذي يفكر به المجتمع لكي يحصل التقدم.
فالأمة العربية إذا فكرت بعقلها العربي وعبرت عن هذا الفكر باللغة الأجنبية فإنها ستبقى ثابتة، لأن اللغة وعاء للأفكار والأحاسيس فلا التفكير وحده يكفي ولا اللغة وحدها تكفي. فلابد من تفكير تعبر عنه لغة تنتمي إلى الإطار الفكري للأمة.
والوطن العربي اليوم والماضى كان صراعه في أن يجد لغة تعبر عن تفكيره وحارب الاستعمار هذه الفكرة ليبقى المجتمع العربي بعيداً من روحه الفكرية المعبر عنها بلغته، بل هناك أدوات استعمارية حاولت محاربة اللغة بتغيير حروفها وأشكال رسمها بالأحرف اللاتينية وتغير لغة الفصحى بلغة العامية، وكانت محاولاتها ناجحا، و استطاع المستعمرون أن يحولوا لغة العلم والتفكير والتكونولوجيا من العربية إلى لغتهم في مجال تدريس العلوم ونجحوا في إثبات دعوتهم القائلة بأن اللغة العربية لغة دين لا لغة علم والتفكير والتكنولوجيا.
إن قضية التعريب قضية ترتبط بعقولنا وانتمائنا. فإذا أحست المؤسسات العلمية العربية وأحس المجتمع بأنه من الضروري أن يحصل التعريب لتكون لغتنا تعبيراً عن فكرنا ووعاءً له فإن القضية ستنجح وستكون كل المعوقات يسهل التغلب عليها وأمر غير مستحيل فى حلها ، ولذلك أرى إلى :
- إنشاء مؤسسات العلمية للتعريب والترجمة فى الجامعات والمدارس الدول العربية والإسلامية والغربية.
- التعاون والتنسيق بين المؤسسات العلمية في الوطن العربي والعالم الإسلامى والدول الغربى.
- الاهتمام باللغة العربية من مراحلها الدراسى الأولى .
- توفير الدعم المادي المطلوب للتعريب.
- الاهتمام بالتراث العلمي كتحقيق المخطوطات.
- تطوير الدراسات والبحوث العلمية باللغة العربية .
المراجع
أ- العربية:
إبراهيم, محمود. 1994. تعريب التعليم العالي. دار آفاق للنشر. عمان.
بن عبد الله، عبد العزيز. 1975. التعريب ومستقبل اللغة العربية. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية. القاهرة.
تعلم العلوم الصحية والفنية باللغة العربية. منظمة الصحة العالمية. القاهرة.1991.
حموتو, آزاد. 1425 هـ/2004م. النهوض باللغة أم بمتكلمها. فى مجلّة العربى العدد 546 ربيع الأول/مايو. الشروق. القاهرة.
خـريوش, عبد الرؤوف.د.ت. تعريب التعليم الجامعي وأهم المشاكل التي تواجهه. جامعة القـدس المفتوحـة, فلسطيـــن.
دراسات من واقع الترجمة في الوطن العربي. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. تونس. 1985.
الشهاوى, صلاح عبد الستار. 1425هـ / 2004م. بل (العربية) هي من أقدم اللغات. فى مجلّة العربى العدد 544 المحرم/ مارس. الشروق . القاهرة.
العسكرى, سليمان إبراهيم. 1425هـ/ 2004م. أزمة العربية أم أزمة التعريب. فى مجلّة العربى العدد 545 صفر/ أبريل. الشروق. القاهرة.
--------------. 1425هـ / 2004م. أيّ تعريب نريد؟. فى مجلّة العربى العدد 546 ربيع الأول/ مايو, الشروق. القاهرة.
على, نبيل. 1424هـ/ 2003م. الترجمة العلمية وعالمنا العربى. فى مجلّة العربى العدد 535 ربيع الأول/ يونيو. الشروق. القاهرة.
قاسم، عوني الشريف.1980. الإسلام والثورة الحضارية. دار القلم. بيروت.
------------.د.ت. الإسلام والبعث القومي. دار القلم. بيروت.
ب- الإندونيسة:
Daud, Wan Mohd Nor Wan. 2003. Filsafat dan Praktik Pendidikan Islam Syed M. Naquib Al Attas. Mizan. Bandung.

Nakosteen, Mehdi. 1996. "Kontribusi Islam atas Dunia Intelektual Barat: Deskripsi Analisis Abad Keemasan Islam" (diterjemahkan dari buku History of Islamic Origins of Western Education A.D. 800-1350; with an Introduction to Medieval Muslim Education oleh Joko S. Kahhar dkk), Risalah Gusti. Surabaya.

الحاشية

Tidak ada komentar:

Posting Komentar